السعيد عمدة دراويش مدينة أدرار

الإهداءات
  • الحسن ولد أحمد الحسن ولد أحمد:
    واسقِ صدور الضائقين سعادة.. ما خاب عبدٌ في المدى ناداك ..
  • الطالب الجامعي الطالب الجامعي:
    المرض هو التذكير القاسي بقيمة الصحة. اللهم اشفي مرضنا وكل مرضى المسلمين
  • سعاد تيمي سعاد تيمي:
    إذا أفرحتك عثرة أخيك ففي قلبك مرض
  • ميساء بن صالح ميساء بن صالح:
    "الربيع الفلسطيني"
    يصنعه الطلاب في جامعات أجنبية
  • ميساء بن صالح ميساء بن صالح:
    صلوا على رسول الله
  • سعاد تيمي سعاد تيمي:
    جمعة مباركة
  • الحكيم السني الحكيم السني:
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  • الشيخ المفتي الشيخ المفتي:
    كل قطرة دم بغزة في أعناق حكام المسلمين
  • Amina Saddi Amina Saddi:
    شكرا جزيلا على قبول الاشتراك
  • Dorra Masri Dorra Masri:
    bonjour a tous
  • ا الوليد بن محمد:
    مساء النور
  • المعتصمة بالله المعتصمة بالله:
    سلام الله عليكم
  • المرشد إلى دين الله المرشد إلى دين الله:
    السلام عليكم
  • Houda Chaoui Houda Chaoui:
    slt ça va
  • زينب تواتي زينب تواتي:
    صباح الخير عليكم
  • زكية بن علال زكية بن علال:
    سلام سلام كيفكم
  • ب بشرى بن ماضي:
    مساء الخير
  • س سليمة عراب:
    السلام عليكم

سلطانة الصحراء

عـــضو مـآسـي
المشاركات
1,468
مستوى التفاعل
85
النقاط
48
915

بمناسبة مرور الذكرى الثالثة، لوفاة السعيد عمدة دراويش مدينة أدرار.. أقاسمكم هذا المقال الذي كتبته ذات يوم عن هذه الشريحة..
(دراويش أدرار.. غسول المدينة من ذنوب العقلاء..).
لكل مدينة دراويشها ونُسّاكها، الذين يزرعون على أرصفتها وزوايا ساحاتها، طهارة الأولياء، ومُسْكَة الحكماء. يطردون الشياطين، ويغسلون ما اعْتَمر البلدة نهارا، من جريرة العقّال، ودسيسة حيّلهم الماكرة.. هم على أية حال؛ أجيال.. فيهم الرجال والنساء، كما يوجد منهم؛ مُتَطَيِّر الشُّهرة، ومَطْمُورُ الصَّيت، وكذا العدواني والمسالم.. يتعاورون على المدينة كحالنا، يأبون الانقراض، كلما أفَلَ جيل، تناسل آخر. هم هكذا خُلقوا عبثيين، ولأجل ذلك وجدوا.. يسخرون من كياستنا، ويستهزئون بمخاتلتنا وتدليسنا، ونخالهم في غفلة، بما نغيل به على بعضنا البعض. بيد أن الزائر الغريب للمدينة، قد لا يلتصق بذاكرته من رائحة المدينة، غير هؤلاء الدراويش القديسين، إذْ كثيرا ما زرتُ مدنا بالشمال والخارج، فبقي استحضار أريجهم عالقا بذاكرتي، يقرّبني من استدعاء ذاكرة الأمكنة، كلما أخذني السُلْوان منها.
فتحتُ عيني على درويش قصرنا الطيني، المدعو (أبّا البكري) رحمه الله، انتقل هذا الأخير من قريته الخلفي، واستقرّ بقصرنا الطيني، فاتخذ مشور القصبة مقاما، وبحكم مروري اليومي على المشور، المتواجد خلف الباب الوحيد للقصبة، التي كنا نسكنها، فقد تعرّفتُ عليه باكرا، كان صاحب صوت حزين، أشبه ما يكون بصوت نوح الحمام وسجعه، تدعوك عقيرته للشفقة، لا يملك من متاع الدنيا، سوى بطانية مهترئة، يضعها على كتفه، ويطوف بها الأزقة والعتبات، فيقيّل ويمغرب عليها قرب الأبواب التي تطعمه، ليعود ليلا لمشوره، بعدها ساقتني أقدامي للتعرّف على دراويش القصور المجاورة، كبوعلي، وأغرماملاّل، وبوزقزاد، ومنها تشكّل لديّ ما يشبه الانطباع عن هذه الفئة المستضعفة، بدوا استثنائيين، ففي ذلك الوقت المبكّر من طفولتي، كنتُ أعي تلك الاختلافات الفارقة بينهم وبين ساكنة القصر، أسمالهم بالية، يمشون حفاة، يبيتون بمشور القصبة، يصرخون ويتمتمون لوحدهم، حتى أخذني الفضول ذات مرّة، وسألتُ أمي؛ فقالت إن الجان يسكنونهم، وكثيرا ما حذّرتني من تخطي الجيّف ومواقع ذبح المواشي، حتى لا يقع بي ما لحقهم.
ما يمكن قوله، إن دراويش القصور الطينية النائية، أقل شهرة من دراويش المدينة (أدرار)، بحكم البيئة المغلقة، لتلك القرى النائية، عكس المدينة، التي تتميّز بطابعها المفتوح، الأمر الذي أكسب دراويش المدينة صيتا ذائعا، أكثر من نظرائهم بالقصور النائية.
دخلت مدينة أدرار ذات خريف، مع مطلع الثمانينيات للدراسة الثانوية، فوجدتُ بها هذا الصنف من الأولياء، تراني أدخل ساحة الشهداء من باب رقان المفتوح عليها، لجهة الجنوب، فأنعطف يمنة، فيستقبلني صوت أبّاعثمان، المدعو (أبّاعثيمين) رحمه الله، والتصغير هنا للتحبيب، من فرط نوادره ودعابة روحه، قلتُ فيتلقاني صوت أبّاعثيمين، المنبعث في تلك الصباحات، من بين الأقواس الغربية لسوق دينار، مكان صاحبنا معلوم بالباب الغربي من تلك السوق، تراه مرة يجلس على يمين الباب، وأحيانا على شِمالها، المهم أنه لا يبرح هذا المكان، به إعاقة ظاهرة بإحدى يديه، أظنها اليسرى، كان يبالغ كثيرا في إظهارها، لاستعطاف زائريه ومحسنيه، له لازمة قولية في التسوّل، حفظناها من كثرة ترداده ومعاودته لها (لله يا محسنين.. لله يا محسنين.. لله يا محسنين)، كثيرا ما كنا نتقرّب منه، لوداعته وتفكّهه في حديث النساء، فيجود علينا من أخبارهن وأسرارهن. ولربما عبرتُ الساحة المعلومة، في ذلك الوقت من الضحى، فألتقي عاشور بوزان رحمه الله، في طريقه كالعادة لسوق دينار، يدخن سيجارته، دائم التمتمة مع رنّة عالية مرعبة، تأتي في ذيل كلامه الواهن، هو على أية حال، شخص فارع الطول قليلا، عيناه جمرتان، يظهر لك من هيئته، أنه قوي، تقول المرويات، أنه كان عدوانيا في بداية هبلته؛ لكنه هدأ بعدها، وقد أكون مررتُ على مقهى أبّاأحمد، الواقع بالزاوية الشرقية من شمال الساحة، فصادفتُ عمي السعيد حامدي رحمه الله، هو الآخر صاحب أحوال، لا ينقطع عن سيجارته وتمتمته، أحسبه شخصا معتدل القامة، مع ميل للقصر قليلا، تتحدّث الروايات أنه كان يسافر في شبابه الأول، بالشاحنات لدولتي مالي والنيجر، بغرض تجارة المقايضة، وقد شهدتْ جنازته بمسقط رأسه العلوشية، حشدا مهيبا من محبيه، كما يحضرني من أسماء هؤلاء الدراويش، الذين تحتفظ بهم الذاكرة الشعبية لمدينة أدرار، وهم على سبيل الذكر لا الحصر، منهم سيدي ناجم، والباقي الذي كان يقيم بدار كابويا، وواحد آخر له من اسمه طرافة؛ يُدعى (ماقرونة)، وأبّاجديد، وغيرهم.
لم تكن الدروشة بمدينة أدرار، حكرا على الرجال فحسب؛ بل أدركت من النساء، امرأة كهلة، رقيقة، كانت تتخذ من حائط ثكنة الجيش، المحاذية لسوق دينار، مقرا لها، وكان أمر هذه المرأة، يدعو الغرابة بلا وجل، إذ نصبت مولاتنا المدعوة بالبوداوية، شيئا يشبه الخيمة؛ لكنها ليست خيمة حقيقة، وكثيرا ما كنتُ أمرّ من هناك، في ليالي الشتاء الباردة، فأجدها توقد النار، مع التسعينيات، اختفى أمر تلك المرأة الولية، كما اختفت قبلها، الشريفة بنت مولاي عمار البريشي وغيرهما.
إذا كانت عربات نقل القمامة، المسخّرة من طرف البلدية، تجوب الشوارع والأحياء، لتنظيف المدينة من أوساخ البشر الحسيّة، فإن الدراويش بدورهم، يطوفون ذات الممرات والحارات، ليغسلوا المدينة من أدران القوم المعنوية. هكذا تظل المدن آمنة من غضب الرّب، ما بقي بها هذا الصابون، الذي يغسل ذنوب العقلاء، فبهم تنصرون وبهم تحقرون يا عباد الله..

916

بقلم الاستاذ
الصديق حاج أحمد الزيواني
 

سلطانة الصحراء

عـــضو مـآسـي
المشاركات
1,468
مستوى التفاعل
85
النقاط
48
كان أكثرنا يقول السعيد (لهبيل) ، وكان ينفث سجارته الواحدة تلو الاخرى ويمشي بيننا ضاحكا، يعرف أسماء وبيوت اكثرنا ولأكثرنا اكثر من قصة معه، جعلته يخاطب سريرته ويتسائل في نفسه ماذا يقصد الرجل؟
لم يكن السعيد سوى حكمة تمشي بيننا وبركة تعم أرجاء مدينتنا، بين السجارة والسجارة يحدث نفسه ويرسل اليك برقيات مشفرة وهو الى جانبك في السيارة أو متكأ في بيتك ويختمها بضحكة عاليه تسبح في المدى وتعود اليك صدى يا صديقي ما الدنيا سوى لحظة فتأمل في الملكوت، ولا احبذ ها هنا ان اقول قال لي وقد اختطفه الموت، لكني اعلم يقينا ان رجلا عندنا هو أكثر الناس حزنا على رحيله واشدنا تأثرا بفراقه، وهو الحاج عبد الله ابن شيخنا الذي كان احرص الناس على مجالسته وتحقيق كل رغباته حتى وان كانت غريبة أحيانا، غرابة ما يحمل الرجل بين جوانحه وما ينطق به لسانه،
بكى احدهم والسعيد يقول له دع الرجل وشأنه واعد اليه حاجته، سألته ماذا يبكيك قال بيني وبين شخص في البلد خصومة وكأني بالسعيد ادركها،
لقد كان السعيد فعلا سعيدا وكنا الأشقياء، وكنا الضائعون بين ذواتنا وكثيرا من تطلعاتنا متوسطي حال وأثرياء وكان اقرب الناس الى الأتقياء، كان ضريح الشيخ مبيته، رحل ولم ندرك كنه سره، قال لي يوما سيد البكري عجبا للناس تشتري البلاء بأموالها.
وهو في اخر ايامه يختار رقان، لا تعليق سوى ان لله في خلقه شؤون، ويكفي ان أدرار كلها صدمت برحيله وقالت بصوت واحد عمي السعيد رحل ولم تقول السعيد لهبيل لأنها ادركت يوم موته انه كان اعقل الناس، رحمه الله ضاحكا مستبشرا ورحمه الله رافعا يده الى رب الارض والسماء.
 
أعلى